الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

شبهة الوليد يشرب الخمر


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم الدين .

بلغني أن أحد من إتصف [ بالغباء ] تكلم في الوليد بن عقبة , ونقل خبراً عنهُ انهُ كان يشرب الخمر , ويستبيح شرب الخمر وأنهُ قال [ لأشربن وإن كانت محرمة .. وأشربن على رغم أنف من رغما ] فهل صح هذا الخبر في حقهِ رضي الله تعالى عنهُ , ففي هذا البحث نرد على هذا الجاهل الذي زعم أن الوليد بن عقبة [ خماراً ] والعياذُ بالله ونقل هذا الخبر عن الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام , قلتُ وأصل الخبر عند إبن عساكر في تاريخ دمشق فلا يصح أصلا وهو أثر موقوف , فهل صح هذا السند ومتناً أم لم يصح .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج2-ص380 : ( وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا فِي جَيْشٍ بِالرُّومِ ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ، وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ، فَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحِدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَبَلَغَهُ فَقَالَ:لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً … وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رغما ) فهذا نقله الحافظ الذهبي وفي سنن سعيد بن منصور , بهذا الإسناد وأصله عند إبن عساكر في تاريخ دمشق , ولكن الرافضة لا تتعلم من الصفعات التي يأخذونها على وجوههم .

وهذا في سنده مقال عند إبن عساكر .
(حديث موقوف) أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبَّاسِيُّ , أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ , بِمَكَّةَ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الأَزْهَرِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زُنْبُورٍ الْمَكِّيِّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : كُنَّا فِي جَيْشٍ بِالرُّومِ , وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ , وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ , فَشَرِبَ الْوَلِيدُ الْخَمْرَ , فَأَرَدْنَا أَنْ نَحُدَّهُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَتَحُدُّونَ أَمِيرَكُمْ , وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ , فَيَطْمَعُوا فِيكُمْ , فَبَلَغَهُ , فَقَالَ : لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً وَلأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِم .

قلتُ : وهذا فيه من لم أعرفهم , ولم أجد فيهم جرحاً ولا تعديلاً . وهذا وإن صح الخبر , فإن الوليد بن عقبة من صغار الصحابة , وكان أخ لعثمان من أم , والرد من صحيح البخاري رحمه الله تعالى رحمة واسعة .

صحيح البخاري/كتاب فضائل الصحابة / باب:62/ح3696 / ص673) .
عن عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ … قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين .

( صحيح مسلم/ كتاب الحدود/ باب: حد الخمر/ ح 1707/ ص 734) .
عن حضين بن المنذر أبو ساسان : قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أن رآه يتقيأ فقال عثمان إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال يا علي قم فاجلدهفهذه الأخبار وإن صح شربهُ للخمر تثبت أنهُ أقيم عليه الحد , والحديث عند إبن عساكر في تاريخ دمشق , وفيه جماعة من المجاهيل , وفي ظني أن الرواية أصلها عندهُ في التاريخ , والله تعالى أعلى وأعلم .

أولاً : الجمع بين رواية الجهاد ورواية التي أقيم فيها الحد على الوليد بن عقبة .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج2-ص380 : ( وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا فِي جَيْشٍ بِالرُّومِ ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ، وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ، فَشَرِبَ الْخَمْرَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحِدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَتُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَبَلَغَهُ فَقَالَ:لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً … وَأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رغما ) .
ففي الخبر قولهمفأردنا أن نحدهُ قال زيد بن وهب : قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا فقال : إنا قد نهينا عن التجسس فإن يظهر لنا شيء نأخذه به , وإعلم علمني الله تعالى وإياك أن هم الصحابة بإقامة الحد على الوليد بن عقبة , فإن هذا دليل على عدم قبول الصحابة هذا من الصحابي وهو من صغار الصحابة الوليد بن عقبة , فقد طعنت الرافضة بأكابر الصحابة رضي الله عنهم , وإعلم علمني الله وإياك أن أهل الكوفة أهل فتن فقد إتهموا سعد بأنه لا يحسن الصلاة فكيف بمن غير سعد رضي الله تعالى عنهُ , في الأثر يبين أن الصحابة هموا في إقامة الحد ولكن الحرب منعتهم , وسنصل بحول الله وقوتهِ للتبيان أكثر .
وللحديث طرق أخرى بنفس الإسناد ففي المغني : ” وعن علقمة قال : كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان وعلينا الوليد بن عقبة فشرب الخمر فأردنا أن نحده فقال حذيفة : أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم ” . فهذا اللفظ فيه أنه لم يصر على الكبيرة , ولم يصر على شرب الخمر بل إنتهى إلي قوله أتحدون أميركم , فقد كان الوليد بن عقبة أميراً على الجيش في ذلك الوقت , وكان حذيفة بن اليمان معهم فرضي الله عنهم .
فلأبن الجوزي تأويلاً لشرب الوليد بن عقبة النبيذ .
قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله .
وفي الحديث الرابع أن المسور وعبد الرحمن بن الأسود قالا لعبيد الله بن عدي بن الخيار ما يمنعك أن تكلم أمير المؤمنين عثمان في شأن أخيه الوليد بن عقبة فقد أكثر الناس فيه أما الوليد فهو أخو عثمان لأمه لأن أمه أروى بنت كريز بن ربيعة تزوجها عفان بن أبي العاص فولدت له عثمان وأمية ثم تزوجها عقبة بن أبي معيط فولدت له الوليد وعمارة وخالدا وأم كلثوم وأم حكيم وهندا وأسلمت أروى وهاجرت وبايعت وماتت في خلافة ابنها عثمان وأسلم الوليد يوم فتح مكة وأما ما تكلم الناس في شأنه فلأنه شرب أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا شجاع بن فارس قال أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد الأشناني قال أخبرنا علي بن أحمد الحمامي قال أخبرنا علي بن أبي قيس قال أخبرنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال بعث عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة – وهو أخوه لأمه – وكان الوليد يشرب الشراب فصلى بالناس يوما صلاة الغداة وهو سكران فلما فرغ قال أزديكم فعظم ذلك عند الناس وأنكروه فخرج وفد إلى عثمان فأخبروه وشهدوا عليه بالسكر فعزله وجلده الحد قلت وينبغي أن يحمل حال الوليد على أنه شرب من النبيذ متأولا له وظنه أنه لا يسكر فسكر وقد أنعمنا الكلام في وجوب تنزيه الصحابة عن الإقدام على الحرام من غير تأويل في قصة قدامة في مسند عمر . فوجب تنزيه الصحابة عن الإقدام على الحرام بارك الله فيكم مصرين , وقد حد في بعض المرات التي شرب فيها , وقيل أنه شرب النبيذ متأولاً أنه ليس بالمسكر , فيحمل قولهُ في الجهاد على التأويل وليس الإصرار على الكبيرة .
قلتُ : ولعل المراد بما يحصل في الجهاد على المقاتلين من ضيق , فيضطر لكي يشرب ما حرم الله تبارك وتعالى , ولكن لا يجب أن يحمل كلام الوليد بن عقبة على الإصرار على الكبيرة وفقكم الله للخير , بل يحتمل أنهم كانوا في محنة فأراد أن يشرب فلم يجد الماء وهذا إحتمال كبير لأن الصحابة وفقكم الله تعالى عدول , ولا يمكن نسبهم على الإقدام والإصرار على الحرام , فيحتمل أن تكون ضاقت عليهم فلم يجدوا الماء , وقولهُ هنا لا يعني ان الوليد بن عقبة قد شرب الخمر في ذلك الوقت , لأنهُ عندما شرب كما في الأخبار التي أوردناها في صحيح البخاري ومسلم حد لشربهِ , فلا يوجد في الخبر الذي أورده الإمام الحافظ لذهبي عن الوليد بن عقبة أنهُ شرب الخمر والله تعالى أعلم .
صحيح البخاري/كتاب فضائل الصحابة / باب:62/ح3696 / ص673) .
عن عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ … قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين .
( صحيح مسلم/ كتاب الحدود/ باب: حد الخمر/ ح 1707/ ص 734) .
عن حضين بن المنذر أبو ساسان : قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أن رآه يتقيأ فقال عثمان إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال يا علي قم فاجلدهلا يخفى أن الوليد بن عقبة من صغار الصحابة وقد إبتلي بشربها , ولو ثبت في الرواية الأولى أنه شربها لأقيم عليه الحد , ولا يمكن حمل قولهُ على الإصرار على الكبيرة , بل الخبر لا يثبت أن الوليد بن عقبة عندما قالها شربها , فهذا لا دليل عليه , بل للرواية طرق أخرى لا يوجد فيها كلام الوليد بن عقبة كما في التاريخ .
قال ابن الجوزي – رحمه الله .
أما قدامة فإنه أسلم قديما وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا وجميع المشاهد مع رسول الله ولم يذكر عنه أنه شرب الخمر إنما شرب شيئا فأسكره فيحتمل أن يكون شرب قليلا من النبيذ متأولا فخرج به إلى السكر أو شرب ما لا يظنه يسكر فسكر على أنه قد ذكر في هذا الحديث تأويل له عجيب فإنه قال لعمر لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني قال ولم قال لأن الله تعالى قال ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ) المائدة 93 فقال عمر أخطأت التأويل إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله .
وفي الجملة لا ينبغي أن نظن بالصحابة أنهم تعمدوا الحرام أصلا وقد روى محمد بن سعد من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب قال شهد أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث وزياد على المغيرة بن شعبة بالحدث الذي كان منه بالبصرة عند عمر فضربهم عمر الحد غير زياد فإنه لم يتم الشهادة عليه .
قال ابن عقيل .
للفقهاء فيما يفعلون تأويلات ومعلوم أن المتعة قد كانت عقدا في الشرع وكان نكاح السر عند قوم من أهل المدينة زنا فمن عثر على ذلك الفعل شهد بالزنا والمغيرة سليم ولا يجوز أن ينسب الصحابة إلى شيء من هذه الأشياء فمن فعل ذلك جهل مقدار المضرة في ذلك القول أو هو زنديق . فالصريح وفقكم الله تعالى للخير أن ما وقع من الوليد بن عقبة يحمل على حسن الظن , ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى يغفر الذنب , وكان متأولاً وإعلموا علمني الله وإياكم أن نسبة الإصرار هي محل نظر فالذي عليه أن الحادثتين صحيحتين لا شك في ذلك , ولكن عندما هم الصحابة لأقامة الحد , وقول حذيفة أتحدون أميركم ومع فسقه كما قال الحافظ الذهبي كان قائماً بأمر الجهاد قال لحافظ الذهبي : ” له صحبة قليلة ، ورواية يسيرة ” , لا شك في أن هذا ماخذ ولكن يحمل على حسن الظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم , فقد كان مجاهداً عابداً والإحتمالات قوية في هذا الشأن فيكون الخبر محل إشكال فلا يطعن فيه بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .




الأحد، 5 أكتوبر 2014

شبهة الوليد فاسق

بالرغم من أمر الله بالتثبت والتبين كان صريحا في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (الحجرات6).

فقد ورد في تفسير هذه الآية ما يخالف هذا الأمر الإلهي فيها من منهج التثبت والتبين.

فقد انتشرت في كتب التفسير روايات تصف (الوليد بن عقبة) أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ثبت أنه كان مجاهدا صلبا عنيدا فتح به به كثيرا من بلاد فارس. زعموا أنه هو الذي نزلت في هذه الآية وأنه فاسق بالنص من القرآن.

يقول ابن كثير حمه الله وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الاَية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط, حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق, وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق, وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق, حدثنا عيسى بن دينار, حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه.. (الحديث).

وهذا السند الذي قال عنه ابن كثير بأنه من أحسنها هو سند ضعيف.

فإن في السند محمد بن سابق. قال عنه يعقوب السدوسي : صدوق . وقال النسائي : ليس به بأس . وقال ابو حاتم : لا يحتج به . وضعفه ابن معين . وقال يعقوب بن شيبة : هو ثقة , وليس ممن يوصف بالضبط . ميزان الاعتدال ج 6 ص 157 ط دار الكتب العلمية , بيروت - لبنان
ودينار وهو والد عيسى ذكره ابن حبان في الثقات مع أن ابنه عيسى هو من المجاهيل.

فالرواية إذن ضعيفة بالرغم من أنها أحسن الموجود.

ورواه ابن أبي حاتم والطبري في تاريخه (11/383) عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. وفيه موسى بن عبيدة الربذي وجهالة ثابت مولى أم سلمة. ولا يعرف لأم سلمة مولى إسمه ثابت.

وبهذا تعجب من قول الهيثمي بأن رجال الرواية ثقات مع جهالة عيسى هذا وجهالة ثابت المولى المزعوم لأم سلمة.

ورواه الطبري أيضا وكذلك البيهقي في سننه (9/54) من طريق العوفي عن ابن عباس. وهذا إسناد مسلسل بالعوفيين والعوفيون ضعفاء كما هو معلوم.

كذلك أورد ابن كثير أقوالا لمجاهد وقتادة وابن أبي ليلى. وكلها روايات مرسلة وهذه المرسلات لا تصلح لإثبات تهمة الفسق على صحابي فإننا لا نقبلها في أحكام الطهارة ولا الصلاة. فكيف نقبلها في جرح خير هذه الأمة؟

فلم يثبت بحمد الله من هذه الروايات شيء ألبتة.

وقد كانت هذه الروايات في حاجة إلى عناية ومتابعة وجهد ليتبين بعدها أن الروايات كلها كانت منقطعة الأسانيد وأن ما صح منها كما في صحيح مسلم لا يعدو أن يثبت شهادة الفساق عليه زورا كما سوف يتبين لك من هذا البحث القيم الذي قام به الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله رحمة واسعة ووجب على كل قارئ لبحثه هذا أن يدعو له بالرحمة.

شهادة الأستاذ محب الدين الخطيب في الوليد بن عقبة

قال الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله « كنت في ما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ويسميه الله فاسقاً، ثم تبقى له في نفس خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ.. إن هذا التناقض ـ بين ثقة أبي بكر و عمر بالوليد بن عقبة وبين ما كان ينبغي أن يعامل به لو أن الله سماه فاسقاً ـ حملني على الشك في أن تكون الآية نزلت فيه..

وبعد أن ساورني هذا الشك أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية { إن جاءكم فاسق بنبأ . . . } فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد، أو قتادة أو ابن أبي ليلى، أو يزيد بن رومان، ولم يذكر أحد منهما أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحادث، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة.

وإن الذين لهم هوى في تشويه سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقاماً من الوليد قد ملأوا الدنيا أخباراً مريبة لها قيمة علمية.

وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسمائهم [ شيئاً ]، فمن غير الجائز شرعاً وتاريخاً الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها وترتيب الأحكام عليها.

وهنالك خبران موصولان أحدهما عن أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة.

وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم ن فلم يذكر في تهذيب التهذيب ولا في تقريب التهذيب ولا في خلاصة تذهيب الكمال، بل لم أجده في (ميزان الاعتدال ) و( لسان الميزان ).

وذهبت إلى مجموعة أحاديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد فقرأتها واحداً واحداً فلم أجد فيها هذا الخير بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيه اسم مولى لها يدعى ثابت ، زد على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر ـ إن صح عنها ـ ولا سبيل إلى أن يصح عنها ـ إن الآية نزلت في الوليد بل قالت ـ أي قيل على لسانها ـ " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رجلا ) في صدقات بين المصطلق " .

والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس.

والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه لأن ابن سعد لما توفي بغداد سنة 23هـ كان الطبري طفلا في نحو السادسة من عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلده آمل في طبرستان لا إلى بغداد ولا لغيرها.

ثم تبين لي أن ابن سعد الذي ورى عنه الطبري هو محمد بن سعد العوفي ن وقد وصف الشيخ أحمد شاكر سنده بأنه ( سند مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة ) انظر تفسير الطبري طبعة دار المعارف 1 :263).

فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها مجاهد كان موقع ثقة أبي بكر وعمر وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدث فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن كما سيأتي في الفقرة التالية .

وروى أحمد في مسنده ( 4 : 32 ) حول عمر الوليد بن عقبة يوم فتح مكة عن شيخ له هو فياض بن محمد الرقي عن جعفر بن برقان الرقي عن ثابت بن الحجاج الكلابي الرقي عن عبد الله الهمداني هو ( عبد الله بن مالك بن الحارث ) عن الوليد بن عقبة، والظاهر أن الوليد بن عقبة تحدث بهذا الحديث عندما اعتزل الناس في السنين الأخيرة من حياته واختار الإقامة في قرية له من أعمال الرقة ، فتسلسلت رواية الخبر في الرواة الرقيين، وأخذه الإمام أحمد عن شيخ له منهم وعبد الله الهمداني ثقة لكن التبس اسمه في غر هذه الرواية بهمداني آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث ( أي على اسم والد عبد الله الهمداني ) وهو مجهول عند أهل الجرح والتعديل.

أما عبد الله الهمداني الذي ينتهي إليه الخبر في رواية الإمام أحمد فمعروف وموثوق به وعلى روايته وأمثالها اعتمد القاضي ابن العربي في الحكم على سن الوليد بن عقبة بأنه كان صبياً عند فتح مكة وأن الذي نزلت فيه آية ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) هو شخص آخر.

ومن عجيب أمر الذين كان لهم هوى في تشويه سمعة هذا الصحابي الشاب المجاهد الطيب النفس الحسن السيرة في الناس أنهم حاولوا إدحاض حجة صغر سنه في ذلك الوقت بخبر آخر روي عن قدومه مع أخيه عمارة إلى المدينة في السنة السابعة للهجرة ليطلبا من النبي صلى الله عليه وسلم رد أختهما أم كلثوم إلى مكة.

وأصل هذا الخبر ـ إن صح ـ مقدم فيه اسم عمارة على اسم الوليد وهذا مما يستأنس به في أن عمارة هو الأصل في هذه الرحلة وأن الوليد جاء في صحبته.

وأي مانع يمنع قدوم الوليد صبياً بصحبة أخيه الكبير كما يقع مثل ذلك في كل زمان ومكان؟

فقول الوليد إنه كان في سنة الفتح صبياً ليس في خبر قدومه مع أخيه الكبير إلى المدينة في السنة السابعة ما يمنعه أو يناقضه.

فإذا تقرر عندك أن جميع الأخبار الواردة بشأن الوليد بن عقبة في سبب نزول آية {إن جاءكم فاسق بنبأ } لا يجوز علمياً أن يبنى عليها حكم شرعي أو تاريخي، وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتح يتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر للوليد وثقتهما به واعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدر شبابه.

الوليد المجاهد الفاتح العادل

أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم ( الذي كان منه لأمته كل ما استطاع من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلاً عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر).

فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرناً فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه.

أراد الوليد بن عقبة ـ منذ ولي الكوفة لأمير المؤمنين عثمان ـ أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامة للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته الناشرين لرسالته وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات وداره ـ إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ـ ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أولا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء متى شاء من ليل أو نهار ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستتر عن الناس.

فالستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر

وكان ينبغي أن يكون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة وأدخل على الناس خيراً حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد ، ورد على كل مملوك من فضول الأموال في كل شهر ما يتسعون به من غير ان ينقص مواليهم من أرزاقهم وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول مدة حكمه.

إلا أن فريقاً من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد فوقفوا حياتهم على ترصد الأذى له.

ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي وآخر يسمى أبا مورع وثالث اسمه جندب أبو زهير.

قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا فيها على ابن الحيسمان داره وقتلوه وكان نازلاً بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل السابقة في الاسلام وهو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة.

فجاء هو وابنه من المدينة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو المشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين.

فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة ، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهذا الأمير الطيب الرحيم وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته.

وكان بيته مفتوحاً دائماً وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانياً في أخواله من بني تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانياً لا بد أن يكون يشرب الخمر.

ولعل الوليد أن يكرمه بذلك. فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد ولم يكن لداره باب. فلما فوجئ بهم نحى شيئاً أدخله تحت السرير ، فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا إذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشئ من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل ، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم.

وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر، ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب وذهب بعض الذين كانوا عمالا في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح فخرج بقية القوم ، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا.

فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه فسأل عنه زوجتيه ـ وكانتا في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر ـ فقالتا إن آخر من بقي في الدار رجلان، وذكرنا صفتيهما وحليتهما للوليد، فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيتاها فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة، وكان قد سافرا تواً إلى المدينة.

وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر (واكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مضعون في خلافة عمر (فقال كنا من غاشيته فدخلنا عليه وهو يقئ الخمر فقال عثمان ما يقئ الخمر إلا شاربها فجئ بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان : " نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار ".

هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30 هـ من تاريخ الطبري وليس فيها ـ على تعدد مصادرها ـ شئ غير ذلك وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعادت شواهد غلهم عليه ، ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها فضلا عن أن تكون اثنتين أو أربعاً، وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب.

فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر ( أحد أتباع علي ) أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل الناس عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه ( كتاب الحدود ) بلفظ " شهدت عثمان ابن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ( ركعتين ) ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان بأنه تقياً أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد اخر أنه أنه راه يتقيأ ) فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ.

أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف.

ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في ثلاثة مواضع من مسند أحمد مروياً عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند احمد بمواضعه الثلاثة.

فالموضعان الأول والثاني ( ج1 ص82 و140 ) ليس فيهما ذكر الصلاة عن لسان حضين فضلاً عن غيره، فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد.

وأما في الموضع الثالث من مسند أحمد ( ج1ص 144 ) فقد جاء على لسان حضين أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعاً، وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في صحيح مسلم ، ففي إحدى الروايتين تحريف [ و ] الله أعلم بسببه.

وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عنه أنه كلام حضين وحضين ليس بشاهد ، ولم يرو عن شاهد ، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه.

وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه، أزيدك علماً بأمر حمران [ المذكور في الرواية ] وهو عبد من عبيد عثمان كنا قد عصى الله قبل شهادته على الوليد فتزوج في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأول، فغضب عليه عثمان لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة، فجاء الكوفة يعيث فيها فساداً، ودخل على العبد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة وكان سبب تسييره إلى الشام.

وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين الآخرين قبله إلى ضمير القارئ يحكم عليهم بما يشاء ، وفي اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع ، فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وصدق الرعاية لأمانات الله ، وكان موضع الثقة عند ثلاثة من اكمل خلفاء الإسلام ابي بكر وعمر وعثمان.

وإن قرابة الوليد من عثمان التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت سبب التسامح من عثمان في عزلهم يتسلون بأعراض الناس يتفكهون بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفس وردت في ص85 من ديوانه ولا تحملهم سليقة النقد على الشعور بما في هذه الأبيات من التضارب والتعارض فأين مدحه فيها للوليد بقوله :



ورأوا شمائل ماجد أنف بعطي على الميسور والعسر

فنزعت مكذوباً عليك ولم تردد إلى عوز ولا فقر

من بقية الأبيات التي فيها :

نادى وقد تمت صلاتهم أأزيدكم ثملا وما يدري

فالذي يقول البيت الأخير لا يعقل أن يقول معه البيتين الأولين فيكون مادحاً وذاماً في قطعة واحدة لا تزيد على ستة أبيات : وقد كانت لي مقالة مطولة عن ( التخليط في الشعر ) ضربت فيها الأمثلة على دس الأبيات غريبة في قصائد من وزنها ورويها لغير ناظمها .

وعلى كل حال فالشهود الذين شهدوا بين يدي عثمان لم يدّعوا حكاية الصلاة مع أنهم لم يكونوا ممن يخاف الله واليوم الاخر.

والآن أقولها لوجه الله صريحة ومدوية إن الوليد لو كان من رجال التاريخ الأوربي كالقديس لويس الذي أسرناه في دار ابن لقمان بالمنصورة لعدوه قديساً لأن لويس التاسع لم يحسن إلى فرنسا كإحسان الوليد بن عقبة إلى أمته ولم يفتح للنصرانية كفتح الوليد للإسلام.

والعجب لأمة تسئ إلى أبطالها وتشوه جمال تاريخها وتهدم أمجادها كما يفعل الأشرار منا ، ثم ينتشر كيد هؤلاء الأشرار حتى يظن الأخيار أنه هو الحق» ا. هـ

(
العواصم من القواصم ص90-98 تحتقيق وتعليق الأستاذ محب الدين الخطيب).

بعد هذا البحث القيم نقول:

رحم الله الأستاذ محب الدين الخطيب على ما ذب به عن عرض الصحابي الجليل الوليد بن عقبة المتهم ظلما وزورا بشرب الخمر والذي طار أعداء الإسلام من الداخل بخبره فرحا ليكيدوا لأسانيد القرآن البشرية (أعني الصحابة) حسدا من عند أنفسهم.

وليبرروا قولهم بتحريف القرآن وليوجدوا لأنفسهم ولو أنموذجا واحدا يكسرون به عدالة الصحابة.

وظن هؤلاء أنهم يدافعون بذلك عن الاسلام. وما دروا أنهم إنما يطعنون بذلك في القرآن بمحاولتهم كسر حصن وقاعدة (عدالة الصحابي) التي غدت قاعدة أهل السنة ومنهجهم.

الصحابة أسانيد القرآن. والطعن بهم طعن في سند القرآن.

وكم سوف يفرح أعداء المسلمين حين يجدون من يعينهم من داخل الإسلام من يكسر هذا السند ليعينهم على الطعن في القرآن الكريم. فكيف وأن كتب هؤلاء قد صرحت هي الأخرى بتواتر الأسانيد والروايات عن امتداد أيدي الصحابة إلى القرآن بالتحريف والحذف وتغيرر الآيات عن موضعها: لهثا وراء المكاسب والإمارة الدنيوية.

أو يعقل هذا فيمن وصفهم الله بأنهم (يؤثرون على أنفسهم). ونحذف إكراما لعيون هؤلاء المنافقين نحذف حرف الجر (على). من الآية فتصير الآية هكذا:

(
ويؤثرون أنفسهم) ليحلو لهم اعتقادهم أن الصحابة كانوا أنانيين وكانوا أحرص الناس على حياة وعلى عرض الدنيا القليل؟

بدلا من (ويؤثرون على أنفسهم) والتي تصفهم بأنهم يقدمون الآخرين إطعاما وكفالة على أنفسهم.

كلا والله. إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا وبلوا كل ما عندهم رخيصا في سبيل أقامة دين الله لا يمكن أن نعتقد فيهم إلا ما قاله الله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم) وليس (يؤثرون أنفسهم)...

بعد هذا نقول للرافضة: قد عدتم بعد هذا خائبين لم تنالوا بجهدكم هذا خيرا. بل أرغم الله أنوفكم ولم تستطيعوا أن تكسروا قاعدتنا في عدالة صحابة نبينا.

وهكذا بقيت لنا قاعدتنا العظيمة أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول.

اللهم إني أسألك بهذا الجهد المتواضع للذب عن صحابة نبيك أن تحشرني معهم أنا وكل من يؤمن على دعائي.

وكتبه: عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية